الوصف

في قلب الريف الفرنسي، وفي عام 1835، وقعت جريمة مروّعة زلزلت أركان المجتمع، ليس فقط بسبب وحشية الأحداث التي صاحبتها، بل أيضًا بسبب الغموض العميق الذي أحاط بها وترك الجميع في حالة من الذهول. بيير ريفيير، شاب يبلغ العشرين من عمره، قتل والدته وأخته وأخاه بوحشية غريبة، تاركًا خلفه تساؤلات ملحّة وألغازًا قانونية وأخلاقية معقدة. لم تكن هذه الجريمة مجرد حادثة عابرة، بل تحولت إلى محور لنقاشات مستفيضة تناولت مفهوم العدالة وحدود الجنون وأعماق الدوافع الإنسانية.

ما يضفي على هذه القصة طابعها الاستثنائي هو أن بيير ريفيير لم يكتفِ بفعلته، بل كتب مذكراته من داخل زنزانته، وترك خلفه شهادة حية على دوافعه وأفعاله. هذه المذكرات، التي أعيد نشرها في هذا الكتاب، لا تعد مجرد توثيق للأحداث، بل هي محاولة منه لتبرير ما فعله وإضفاء طابع “منطقي” على ما لا يمكن تبريره. بأسلوب بسيط يعكس أصله الريفي وثقافته المتواضعة، نجح ريفيير في تقديم رواية مدهشة تكشف عن ذهن منظم وقدرة واضحة على التحليل، وهو ما يضع القارئ أمام تساؤلات عميقة حول مفهومي العدالة والجنون.

أجمعت شهادات جيرانه وأقرانه على وصفه بأنه كان “غريب الأطوار”، وهو ما دفع الكثيرين إلى الاعتقاد بأنه ربما كان يعاني من اضطراب عقلي. لكن المذكرات التي خطها بنفسه كانت تروي قصة مختلفة تمامًا. فهي تعرض شخصية تمتلك درجة استثنائية من التفكير والتحليل، مع توضيح دقيق لنواياه وخططه التي قادته إلى ارتكاب جريمته، التي وصفها على أنها سعي لتحقيق “عدالة شخصية” ضد والدته، والتي اعتقد أنها ظلمت والده.